فصل: تفسير الآيات (10- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (9):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}
{لاَ تُلْهِكُمْ} لا تشغلكم {أموالكم} والتصرف فيها: والسعي في تدبير أمرها: والتهالك على طلب النماء فيها بالتجارة والاغتلال، وابتغاء النتاج والتلذذ بها؛ والاستمتاع بمنافعها {وَلاَ أولادكم} وسروركم بهم، وشفقتكم عليهم، والقيام بمؤنهم، وتسوية ما يصلحهم من معايشهم في حياتكم وبعد مماتكم، وقد عرفتم قدر منفعة الأموال والأولاد، وأنه أهون شيء وأدونه في جنب ما عند الله {عَن ذِكْرِ الله} وإيثاره عليها {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} يريد الشغل بالدنيا عن الدين {فأولائك هُمُ الخاسرون} في تجارتهم حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني. وقيل: ذكر الله الصلوات الخمس.
وعن الحسن: جميع الفرائض، كأنه قال: عن طاعة الله. وقيل: القرآن.
وعن الكلبي: الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}
{مِن} في {مَّا رزقناكم} للتبعيض، والمراد: الإنفاق الواجب {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت} من قبل أن يرى دلائل الموت، ويعاين ما ييأس معه من الإمهال، ويضيق به الخناق، ويتعذر عليه الإنفاق ويفوت وقت القبول، فيتحسر على المنع، ويعضّ أنامله على فقد ما كان متمكناً منه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: تصدّقوا قبل أن ينزل عليك سلطان الموت، فلا تقبل متمكناً منه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: تصدّقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت، فلا تقبل توبة، ولا ينفع عمل. وعنه: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال أن يزكي، وإذا أطاق الحج أن يحج من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرة فلا يعطاها. وعنه: أنها نزلت في ما نعى الزكاة، ووالله لو رأى خيراً لما سأل الرجعة، فقيل له: أما تتقي الله، يسأل المؤمنون الكرة؟ قال: نعم، أنا أقرأ عليكم به قرآنا، يعني: أنها نزلت في المؤمنين وهم المخاطبون بها، وكذا عن الحسن: ما من أحد لم يزك ولم يصم ولم يحج إلا سأل الرجعة.
وعن عكرمة أنها نزلت في أهل القبلة {لَوْلا أَخَّرْتَنِىَ}. وقرئ: {أخرتن}، يريد: هلا أخرت موتى {إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} إلى زمان قليل {فَأَصَّدَّقَ} وقرأ أُبي {فأتصدق} على الأصل. وقرى: {وأكن}، عطفاً على محل {فَأَصَّدَّقَ} كأنه قيل: إن أخرتني أصدّق وأكن. ومن قرأ: {وأكون} على النصب، فعلى اللفظ.
وقرأ عبيد بن عمير: {وأكون}، على {وأنا أكون} عدة منه بالصلاح {وَلَن يُؤَخّرَ الله} نفي للتأخير على وجه التأكيد الذي معناه منافاة المنفي الحكمة. والمعنى: إنكم إذا علمتم أنّ تأخير الموت عن وقته مما لا سبيل إليه. وأنه هاجم لا محالة، وأنّ الله عليم بأعمالكم فمجاز عليها، من منع واجب وغيره: لم تبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجبات والاستعداد للقاء الله. وقرئ: {تعملون}؛ بالتاء والياء. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المنافقين بريء من النفاق».

.سورة التغابن:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)}
قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل، وذلك لأنّ الملك على الحقيقة له، لأنه مبديء كل شيء ومبدعه، والقائم به، والمهيمن عليه؛ وكذلك الحمد، لأنّ أصول النعم وفروعها منه. وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} يعني: فمنكم آت بالكفر وفاعل له ومنكم آت بالإيمان وفاعل له، كقوله تعالى: {وجعلنا في ذريتهما النبوّة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 26] والدليل عليه قوله تعالى: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم. والمعنى: هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح، وتكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين، فما فعلتم مع تمكنكم، بل تشعبتم شعباً، وتفرقتم أمماً؛ فمنكم كافر ومنكم مؤمن، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم. وقيل: هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية، ومنكم مؤمن به.
فإن قلت: نعم، إن العباد هم الفاعلون للكفر، ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ولم يختاروا غيره، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلا واحد؟ وهل مثله إلا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا؟ أما يطبق العقلاء على ذم الواهب وتعنيفه والدق في فروته كما يذمون القاتل؟ بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشد؟ قلت: قد علمنا أنّ الله حكيم عالم بقبح القبيح عالم بغناه عنه، فقد علمنا أن أفعاله كلها حسنة، وخلق فاعل القبيح فعله، فوجب أن يكون حسناً، وأن يكون له وجه حسن؛ وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها {بالحق} بالغرض الصحيح والحكمة البالغة، وهو أن جعلها مقارّ المكلفين ليعملوا فيجازيهم {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وقرئ: {صوركم} بالكسر، لتشكروا. وإليه مصيركم فجزاؤكم على الشكر والتفريط فيه.
فإن قلت: كيف أحسن صوركم؟ قلت: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب، كما قال عز وجل: {فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
فإن قلت: فكم من دميم مشوّه الصورة سمج الخلقة تقتحمه العيون؟ قلت: لا سماجة ثم ولكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب، فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطاً بيناً وإضافتها إلى الموفى عليها لا تستملح، وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة عن حدّه.
ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها، ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك، وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها. وقالت الحكماء: شيئان لا غاية لهما: الجمال، والبيان. نبه بعلمه ما في السموات والأرض، ثم بعلمه ما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه ذوات الصدور: أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خاف عليه ولا عازب عنه، فحقه أن يتقي ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه. وتكوير العلم في معنى تكرير الوعيد، وكل ما ذكره بعد قوله تعالى: {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] كما ترى في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته، والخلق: أعظم نعمة من الله على عباده، والكفر: أعظم كفران من العباد لربهم.

.تفسير الآيات (5- 6):

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)}
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} الخطاب لكفار مكة. {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة {بِأَنَّهُ} بأنّ الشأن والحديث {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم.... أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} أنكروا أن تكون الرسل بشراً، ولم ينكروا أن يكون الله حجراً {واستغنى الله} أطلق ليتناول كل شيء، ومن جملته إيمانهم وطاعتهم.
فإن قلت: قوله: {وَتَوَلَّواْ واستغنى الله} يوهم وجود التولي والاستغناء معاً، والله تعالى لم يزل غنياً.
قلت: معناه: وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.

.تفسير الآيات (7- 8):

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)}
الزعم: ادعاء العلم: ومنه قوله عليهالصلاة والسلام: «زعموا مطية الكذب» وعن شريح: لكل شيء كنية وكنية الكذب {زعموا} ويتعدّى إلى المفعولين تعدّي العلم. قال:
... وَلَمْ أَزْعُمكِ عَنْ ذَاكَ مَعْزِلاَ

و(أن) مع ما في حيزه قائم مقامهما. والذين كفروا. أهل مكة. و{بلى} إثبات لما بعد لن، وهو البعث {وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} أي لا يصرفه عنه صارف. وعنى برسوله والنور: محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن.

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)}
وقرئ: {نجمعكم} ونكفر. وندخله، بالياء والنون.
فإن قلت: بم انتصب الظرف؟ قلت: بقوله: لتنبؤن، أو بخبير، لما فيه من معنى الوعيد، كأنه قيل: والله معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار (اذكر) {لِيَوْمِ الجمع} ليوم يجمع فيه الأوّلون والآخرون. التغابن: مستعار من تغابن القوم في التجارة؛ وهو أن يغبن بعضهم بعضاً، لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. وفيه تهكم بالأشقياء؛ لأنّ نزولهم ليس بغبن. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء، ليزداد شكراً. وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن، ليزداد حسرة» ومعنى {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن}- وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم-: استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة، لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت {صالحا} صفة للمصدر، أي: عملاً صالحاً.

.تفسير الآية رقم (11):

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)}
{إِلاَّ بِإِذْنِ الله} إلا بتقديره ومشيئته، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه {يَهْدِ قَلْبَهُ} يلطف به ويشرحه للإزدياد من الطاعة والخير. وقيل: هو الاسترجاع عند المصيبة.
وعن الضحاك: يهد قلبه حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه. وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وعن مجاهد: إن ابتلى صبر، وإن أعطى شكر، وإن ظلم غفر. وقرئ: {يهد قلبه}، على البناء للمفعول، والقلب: مرفوع أو منصوب. ووجه النصب: أن يكون مثل سفه نفسه، أي: يهد في قلبه. ويجوز أن يكون المعنى: أنّ الكافر ضال عن قلبه بعيد منه، والمؤمن واجد له مهتد إليه، كقوله تعالى: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] وقرئ: {نهد قلبه}، بالنون. ويهدّ قلبه، بمعنى: يهتد. ويهدأ قلبه: يطمئن. ويهد. ويهدا على التخفيف {والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعلم ما يؤثر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثر فيه فيمنحه ويمنعه.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}
{فَإِن تَولَّيْتُمْ} فلا عليه إذا توليتم، لأنه لم يكتب عليه طاعتكم، إنما كتب عليه أن يبلغ ويبين فحسب {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} بعث لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره، حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه.

.تفسير الآيات (14- 15):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)}
إنّ من الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهنّ ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولاداً يعادون آبائهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى {فاحذروهم} الضمير للعدوّ أو للأزواج والأولاد جميعاً، أي: لما علمتم أنّ هؤلاء لا يخلون من عدوّ، فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم {وَإِن تَعْفُواْ} عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها، فإن الله يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم. وقيل: إنّ ناساً أرادوا الهجرة عن مكة، فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا: تنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين: أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فزين لهم العفو. وقيل: قالوا لهم: أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم، فغضبوا عليهم وقالوا: لئن جمعنا الله في دار الهجرة لم نصبكم بخير، فلما هاجروا منعوهم الخير، فحثوا أن يعفوا عنهم ويردّوا إليهم البر والصلة. وقيل: كان عوف بن مالك الأشجعي ذا أهل وولد، فإذا أراد أن يغزو أو تعلقوا به وبكوا إليه ورققوه، فكأنه همّ بأذاهم، فنزلت. {فِتْنَةٌ} بلاء ومحنة، لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما؛ ألا ترى إلى قوله: {والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وفي الحديث: «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته» وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يخطب، فجاء الحسن، والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل إليهما فأخذهما ووضعهما في حجره على المنبر فقال: صدق الله {إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما. ثم أخذ في خطبته». وقيل: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتنكم الميل إلى الأموال والأولاد عنهما.